jeudi 6 août 2009

Interview de Khadija Ryadi Présidente AMDH par Altihad alichtiraki


جريدة الاتحاد الاشتراكيمكتب الرباط: عبد الحق الريحاني
عرف العهد الجديد إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، من اجل طي صفحة الماضي أو ما اصطلح عليه بسنوات الرصاص هل يمكن أن نتحدث عن الطي النهائي لهذه المرحلة؟

لما تم الإعلان عن تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة اعتبرنا ذلك من جهة انتصارا للحركة الحقوقية التي فرضت على الدولة فتح ملف الانتهاكات الجسيمة من جديد بعدما أعلنت عن طيه على إثر انتهاء لجنة التحكيم ـ التي شكلها الحسن الثاني في 1999 ـ من عملها والتي لقيت انتقادات شديدة سواء من طرف الجمعية أو عائلات المختطفين وضحايا الاختفاء القسري .وفي نفس الوقت انتقدنا الهيئة بحكم النواقص التي ميزت الإعلان عنها سواء في مجال اختصاصها والمدة التي سيغطيها عملها المحدد في 1999 دون الاهتمام بالانتهاكات التي مورست بعد ذلك التاريخ وأيضا في التصور لمطلب عدم الإفلات من العقاب واعتباره ضغينة ورغبة في الانتقام.واعتبرت الجمعية أن الهيئة لا تنطبق عليها معايير اللجنة المستقلة للحقيقة التي طالبت بها المناظرة الوطنية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان . إلا أنه بالرغم من هذه الانتقادات، أعلنت الجمعية عن تبنيها للمتابعة النقدية والاقتراحية لعمل الهيئة وتفاعلت إيجابيا مع أغلب أنشطتها وبعد الإعلان عن النتائج والتوصيات اعتبرناها غير كافية لطي صفحة الماضي ولا تستجيب لكل التوصيات التي أصدرتها المناظرة المذكورة سابقا وفي نفس الوقت طالبنا بتنفيذها على أرض الواقع . والجمعية المغربية لحقوق الإنسان لها مقاربتها الخاصة فهي تعتبر أن الملف لن يجد حله إلا على أساس إعمال المعايير الدولية ذات الصلة والمرتكزة على الحقيقة الشاملة ــ بشأن الكشف عن كافة الانتهاكات وبشأن تحديد المسؤوليات عنها ــ وعدم الإفلات من العقاب، والإنصاف بمختلف جوانبه : (جبر الضرر الفردي والجماعي، حفظ الذاكرة، الاعتذار الرسمي للدولة)، وتشييد متطلبات بناء دولة الحق والقانون كأساس لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا، و كذا على أساس معالجة الانتهاكات الجسيمة في مجال الحقوق السياسية والمدنية بموازاة مع معالجة الانتهاكات الجسيمة الناتجة عن الجرائم الاقتصادية.

قبل أن تنهي مهامها ، اقترحت هيئة الإنصاف والمصالحة مجموعة من التوصيات على عدة مستويات في تقريرها النهائي وأوكلت مهمة تنفيذها للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في نظركم هل استطاع المغرب أن ينفذ هذه التوصيات على ارض الواقع؟

الدولة لم تنفذ كافة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وبقيت أهم التوصيات المهيكلة والتي لها دور في التأسيس لمرحلة جديدة تتميز بالحد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لم يتم حتى الشروع في تنفيذها بل تملصت منها الدولة من خلال تصريحات رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أسندت إليه مهمة متابعة تنفيذ تلك التوصيات إذ جاء في هذه التصريحات أن الدولة حققت كل أهداف العدالة الانتقالية وأن اعتذار الدولة تم عبر خطاب الملك في يناير 2006 عندما أعلن رسميا عن نتائج الهيئة من خلال عبارة «الصفح الجميل»، وأن ملف المهدي بنبركة قد تدخلت فيه العدالة النظامية مما يوقف معالجته في إطار العدالة الانتقالية، وأن للدولة تحفظات حول التصديق على قانون المحكمة الجنائية الدولية وأن جبر الضرر الفردي انتهى وجبر الضرر الجماعي في طور الاستكمال وكل ما تبقى سيتم قبل نهاية 2008 وسيصدر تقرير في نهاية شهر أبريل 2009 يثبت ذلك.إن ما ينطبق على هذا الوضع هو مقولة «كم حاجة قضيناها بتركها» . إن أهم التوصيات لم تعرف طريقها للتنفيذ وأبرزها الكشف عن الحقيقة في ملف المختطفين الذي لم يستكمل وفي مقدمتهم ملف المهدي بنبركة الذي عملت الدولة على عرقلة العدالة الفرنسية بشكل واضح بشأنه، الاعتذار الرسمي العلني للدولة، التوصية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام وانضمام المغرب لاتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية والإصلاحات الدستورية التي لم يطلق حتى النقاش حولها وخاصة في جانب التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان وإقرار سمو الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان عن التشريع الوطني وإصلاح القضاء بما يجعل منه سلطة مستقلة على مستوى الدستور (فصل المجلس الأعلى للقضاء عن السلطات التنفيذية) وحفظ الذاكرة وترشيد الحكامة الأمنية ووضع إستراتيجية لمناهضة الإفلات من العقاب وإصلاح المنظومة التربوية والثقافية وتوسيع مجال التربية على حقوق الإنسان ... إذن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة مازالت تنتظر التنفيذ ونحن نعتبر أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بين عجزه التام في متابعة تنفيذ هذه التوصيات ويجب أن تطرح مباشرة إلى الأجهزة التنفيذية للدولة لتتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا المجال لأن هذا مرتبط بوجود إرادة سياسية فعلية لدى المسؤولين والتي على أية حال تتناقض مع الوضع المتردي لحقوق الإنسان في البلاد والمتسم بتراجعات خطيرة على مستويات عدة.

بصفتكم الحقوقية وكرئيسة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كيف تقيمون وضعية حرية الصحافة والتعبير بالمغرب بعد مرور عشر سنوات للعهد الجديد؟

إن الصحافة في المغرب في محنة كبيرة. فقد شهدت السنوات الأخيرة موجة من المحاكمات والتضييقات والأحكام الجائرة ضد الصحف والصحفيين والأمثلة هنا كثيرة ويعرفها الجميع، ربما آخرها هو الحكم على الجرائد الثلاث: المساء والأحداث المغربية والجريدة الأولى من طرف المحكمة الابتدائية بعين السبع بمليون درهم عن كل منها ومائة ألف درهم غرامة، والحكم الاستئنافي في اليوم الموالي على جريدة "إيكونومي إي أونتروبريز" بما يقارب 6 ملايين من الدراهم . كما سبق وتم ضد جريدة المساء وملايين الدراهم بالنسبة للعديد من الجرائد الأخرى، مع التذكير بالهجوم العنيف ضد مدير أسبوعية الأيام ورئيسة تحريرها عندما طلبت الجريدة إذنا بنشر صورة لأحد أفراد من العائلة الملكية. كما أن التهديدات وتصريحات المسؤولين حول الصحافة ودورها يؤكد أن حرية الصحافة منتهكة والصحافي مهدد باستمرار في عمله- كما هو الحال مع جريدة الأحداث المغربية حول الخروقات التي طالت الانتخابات الجماعية الأخيرة، وأيضا مع مدير جريدة المشعل بمجرد نشره لاستجواب مع رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (الذي يتابع في نفس الملف) حول سكوت السلطات المحلية عن الظلم الذي يعانيه سكان المنطقة من حفصة أمحزون بحكم قربها من العائلة الملكية. ثم إن قانون الصحافة بنفسه مازال ينتظر الإفراج عنه من طرف الوزارة، وقد سبق لأحد المسؤولين أن قال بأن لا حاجة لنا بهذا القانون، ربما لأن الصحافيين يحاكمون بالقانون الجنائي!!.... نعم فالصحافي معرض للمتابعة والسجن حتى وإن عدل قانون الصحافة لأن الأمور لها علاقة بمنظور الدولة لهذا المجال ولحرية التعبير بشكل عام .إننا في مرحلة من التراجعات لم يعد من الممكن إخفاؤها، فلم تعرف الصحافة هذا النوع وهذا الكم من المحاكمات من قبل والذي يستنتج منه هو وجود رغبة في تقزيم دور الصحافة وترهيب الصحافيين وتخويفهم ليمارسوا الرقابة الذاتية كما كان في ما يعرف بسنوات الرصاص علما أن الصحافة الحرة هي احد أعمدة الديمقراطية. إن حرية التعبير بشكل عام تعرف العديد من الانتهاكات كمنع محاضرات بعض المفكرين واعتقال النشطاء الحقوقيين، آخرهم شكيب الخياري، بسبب تصريحاتهم واستصدار أحكام جائرة ضدهم، واعتقال النشطاء الصحراوين بسبب آرائهم السياسية أو الطلبة في عدد من المدن الجامعية أو العديد من الإسلاميين بسبب الآراء السياسية التي يعبرون عنها سلميا وقمع الوقفات الاحتجاجية السلمية في العديد من المدن أو محاكمة أعضاء النهج الديمقراطي بسبب التعبير عن موقفهم الداعي لمقاطعة الانتخابات أو إقفال مواقع إلكترونية خارج نطاق القانون، وحصار جماعة العدل والإحسان تعسفا منذ ثلاث سنوات والتضييق على عدد من الجمعيات بحرمانها من وصل الإيداع .. إلى غير ذلك من الخروقات. ويرتبط مجال حرية التعبير وحرية الصحافة - ككل المجالات ذات الصلة بالحقوق والحريات- بوضعية القضاء فكما وظف خلال ما يعرف بسنوات الرصاص في تبييض الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مازال يستعمل من طرف الدولة لاستصدار أحكامه الجائرة ضد الصحافيين وكل ضحايا قمع حرية الرأي وذلك بتنظيم محاكمات تغيب فيها شروط المحاكمة العادلة.

يحضر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الخطة الوطنية للنهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب، وتم تكوين سكرتارية متعددة الأطراف تشتغل على هذا الملف، وتم الإعلان الرسمي مؤخرا عن هذه الخطة، ما رأيكم في هذه المبادرة، وفي ماذا ستنفع المغرب على أرض الواقع؟

سبق واستدعينا من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قبل الإعلان الرسمي عن هذه الخطة إلى جانب الجمعيات العضوة في الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان للنقاش حول هذا الموضوع وعبرنا عن موقفنا الذي يعتبر هذا المشروع، الذي التزم المغرب بوضعه منذ مؤتمر "فيينا" سنة 1993، يأتي في ظرف يتميز بإعلان الدولة عن عدد من المشاريع في مجال حقوق الإنسان دون تنفيذها بل ومحاولة التراجع عن بعضها. ويتجلى ذلك بالخصوص في التماطل الكبير الذي طبع تعامل الدولة مع إعمال توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ومحاولة التراجع عن العديد منها، والتأخر الذي شهده تنفيذ الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان بعد التبخيس الذي لقيته بإحالتها، من أجل التنفيذ، على مركز التوثيق والتكوين التابع للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بدل اعتمادها وإنجازها من طرف الوزير الأول والسلطات الحكومية.كما أن وضع بلادنا لخطة وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، مشروع مجتمعي كبير ذو أهمية قصوى بالنسبة للمجتمع ككل ولا يمكن تحقيقه في غياب الإرادة السياسية الحقيقية والعميقة في تشييد دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بدءا بالتخلي عن المنهجية الحالية لتدبير ملف حقوق الإنسان، وتنفيذ كافة التوصيات الصادرة عن هيأة الإنصاف والمصالحة والانطلاق في إنجاز الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان والتجاوب مع التوصيات التي أصدرتها الهيآت الأممية ووقف التراجعات في مجال الحريات الفردية والجماعية ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب في الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان إضافة إلى إقرار الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لضمان كرامة المواطنين والمواطنات.كما أن وضع هذه الخطة الوطنية يجب أن يتضمن المصادقة دون تحفظات على مجمل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وإقرار دستور ديمقراطي وقوانين تتلاءم ومعايير حقوق الإنسان وتشييد قضاء مستقل، نزيه وكفء يحمي الحقوق والحريات.

عادة في المجال الحقوقي تستأثر الحقوق السياسية بالاهتمام اللازم والكافي إلا ان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يبقى الحديث عنها والنضال من أجلها مهمشا إن لم نقل في بعض الأحيان منعدما، كيف ترون هذا الموضوع، ولماذا يتم التغاضي ونسيان هذه الحقوق علما بأنها أساسية وضرورية في حياة الإنسان

فعلا، رغم قناعة الحركة الحقوقية بشمولية حقوق الإنسان يبقى في الواقع المجهود والإمكانيات التي تخصص لمعالجة أوضاع الحقوق السياسية والمدنية أكثر مما يخصص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ولهذا الواقع أسباب متعددة منها ما هو مرتبط بالتاريخ كالصراع الذي جرى بين الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية عند صياغة وثيقة إجرائية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الناتج عن تصور كل جهة لحقوق الإنسان، حيث تعتبر الأولى أن الحقوق الفردية هي الأساسية وعليها تنبني الديمقراطية بينما الثانية تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الجماعات وتمخض عن هذا الصراع صدور وثيقتين هما العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا أن موازين القوى على مستوى دولي أدى إلى تعزيز العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية ببروتوكولين اختياريين وآليات تتبعه وتنفيذه وبقيت الوثيقة الأخرى مهمشة ولم يصدر البروتوكول الملحق بها إلا مؤخرا.وهذا الجانب التاريخي ينطبق أيضا على الحركة الحقوقية المغربية التي تأسست في مرحلة عرفت قمعا دمويا ومواجهة قوية من طرف الحكم ضد معارضيه حيث أثرت تلك الشروط في تحديد ليس الأولويات بل مهمة الحركة الحقوقية في حد ذاتها ولم ينطلق العمل الفعلي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلا في بداية التسعينات إلا أن التراجعات التي عرفتها بعض المكاسب الجزئية التي تحققت في التسعينات في مجال الحريات والحقوق السياسية والمدنية أثر من جديد على محاولات التوازن بين الصنفين من الحقوق. ويرجع هذا التفاوت أيضا إلى تأثر الحركة الحقوقية المغربية بآليات عمل المنظمات الأوربية بالأساس نظرا للدور الهام الذي لعبته في التضامن مع ضحايا سنوات الرصاص ودعمهم للحركة الديمقراطية المغربية (فمنظمة العفو الدولية مثلا تكلمت أول مرة عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سنة 1994 أي 30 سنة بعد تأسيسها) بينما لا نعرف الكثير عن تجربة الحركة الحقوقية بأمريكا الجنوبية أو في بعض الدول الأسيوية التي تملك خبرة في النضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لدرجة أنه عندما تثير الجمعية المغربية على سبيل المثال ملف الحقوق الشغلية وحقوق العمال تنتقد بكونها تقوم محل النقابات وعندما تهتم بالقدرة الشرائية للمواطنين وحرمانهم من الحق في العيش الكريم تتهم بأنها تقوم مقام الأحزاب السياسية في الوقت الذي يدخل كل هذا ضمن مهام الجمعيات الحقوقية لأنه يمس حقوقا منصوصا عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي مواثيق أخرى. ونحن في مرحلة يجب فيها فعلا تكثيف جهودنا وتطوير أدائنا في اتجاه فرض احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بسبب التردي الكبير الذي عرفته.

تعتبر مدونة الأسرة أحد التشريعات الجد المتقدمة التي عرفتها بلادنا، بل تعتبر تجربة المغرب رائدة في هذا المجال بالنظر لواقع الحال في الأقطار العربية، كيف تقيمون حصيلة تجربة إصلاح هذه مدونة الأسرة، وما اقتراحاتكم في هذا المجال من اجل تدارك النقائص والاختلالات التي أظهرتها عمليات التطبيق

تعتبر مضامين مدونة الأسرة متقدمة مقارنة مع مدونة الأحوال الشخصية السابقة. وكأن ردود الفعل التي خلفها القانون الجديد في البداية مرده للطابع الجد متخلف للمدونة القديمة أكثر منه لمستجدات المدونة الجديدة . فهذه الأخيرة رغم تنصيصها على المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات داخل الأسرة وإلغاء واجب الطاعة الذي كان مهينا للمرأة وتمكين المرأة من عقد زواجها دون ولي وبعض التغييرات الأخرى فإن العديد من مظاهر التمييز مازالت قائمة في المدونة الجديدة. ومن بين هذه مجالات التمييز هاته هناك الحق في النيابة الشرعية على الأبناء و شروط الحضانة ومساطر الطلاق وعدم المساواة في الإرث وفي الزواج بغير المسلم ... ثم إن القانون الحالي أعطى سلطة تقديرية للقاضي جد كبيرة حتى في مجالات جوهرية مثل الإذن بزواج القاصرين مما جعل رفع سن الزواج إلى 18 سنة الذي جاءت به مدونة الأسرة مفروغا من مضمونه حيث يأذن القاضي في أكثر من 95% من طلبات تزوج البنات الصغيرات حسب إحصاءات الجمعيات النسائية وسجلت وزارة العدل أن سنة 2007 عرفت تزويج 37000 فتاة قاصر وهو 10 % من الزيجات المسجلة كما عجزت الدولة في تحقيق هدف تسجيل حالات الزواج غير المسجلة بسبب غياب خطة ناجعة وإمكانيات لتحقيق الهدف في الأجل المسطر له وهو 5 سنوات. ولعل أكبر مشكل يواجه الجوانب الإيجابية في مدونة الأسرة هو مشكل التطبيق بشكل عام الذي اصطدم من جهة بالعقلية المتحجرة السائدة وسط القضاء ومن جهة أخرى بعدم توفير الإمكانيات الضرورية من بنيات تحتية وموارد بشرية من طرف الدولة لضمان شروط التطبيق له. أما أشكال تغيير هذا الوضع فيمكن إجماله في ملاءمة المدونة الحالية مع الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة في صيغة لا تحمل كوابح تنفيذها بداخلها من تناقضات بين موادها وهامش كبير للتأويل المتروك للقاضي كما يجب توفير الإمكانيات الكافية لتكوين القضاة والبنيات التحتية والموارد البشرية المرافقة وتعريف بحقوق المرأة على أوسع نطاق علما أن الوضع الحالي للقضاء كأكثر القطاعات التي تنخره الرشوة والفساد يعثر كثيرا التطبيق السليم لكل القوانين، كما أن حقوق المرأة غير قابلة للتجزيئ فتمتعها بالحقوق المدنية هو رهين بمدى تمتعها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضا.

بإصلاح مدونة الانتخابات والقانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب، والميثاق الجماعي وإصدار قانون للأحزاب، واصلاح مدونة الأسرة هل استطاع المغرب أن يرسي الأسس القانونية من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي أم هل هناك عقبات وعوائق أخرى يلزم الانتباه إليها وتطوير ما هو موجود ليتلاءم مع التطورات والتحولات المتسارعة التي يعرفها العالم ؟

إن الانتخابات الأخيرة سواء البرلمانية أو الجماعية بعيدة كل البعد عن أن تكون محطة ديمقراطية مكنت الشعب المغربي من اختيار ممثليه بكل شفافية وحرية، بل هي أكدت أن الانتقال الديمقراطي بالمغرب كلام دون مضمون. فالانتخابات في المغرب ليست لحظة ديمقراطية بل محطة تجارية بامتياز تنتعش فيها عملية البيع والشراء للتزكيات وللترشيحات وللأصوات ولعملية الدعاية الانتخابية وعند عقد التحالفات، كما أن الأجهزة المنتخبة ليس لها ما يكفي من الصلاحيات والاستقلالية عن الأجهزة التنفيذية لتتمكن الأحزاب المنتخبة من تنفيذ برامجها، والانتخابات تتم في غياب ثلثي المواطنين المفروض مشاركتهم فيها إضافة إلى التقطيع الانتخابي الذي يستعمل للتحكم المسبق في النتائج مع استمرار انحياز الإدارة واستمرار استعمال المال العام والممتلكات العمومية من طرف البعض. إن هذا الوضع إضافة إلى عقود من القمع الدموي ضد الأحزاب السياسية المعارضة وضد العمل السياسي بشكل عام مع تشكيل أحزاب من طرف الإدارة ساهم في تمييع العمل السياسي مازالت نتائجه مستمرة في غياب تصالح بين السلطة والمجتمع الذي أجهضت تجربة الإنصاف والمصالحة فرصة انطلاقه. كل هذا ينضاف إلى عودة ظاهرة حزب الدولة في الانتخابات الأخيرة الذي تمكن بعد بضعة أشهر من تأسيسه من الحصول على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد. فالعوائق والعقبات كثيرة تلك التي تقف دون انتقال ديمقراطي وعلى رأسها استمرار الدستور غير الديمقراطي الحالي الذي يشرعن الاستبداد ولا يمكن الشعب المغربي من تقرير مصيره كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

هناك ديناميكية تم إطلاقها -مؤخرا- من أجل إصلاح القضاء وضمان استقلاليته، ما هي في نظركم مرتكزات هذا الإصلاح؟

شهد المغرب عددا كبيرا من الندوات والدراسات حول إصلاح القضاء، توصلت إلى العديد من التوصيات، من ضمن هذه الندوات تلك المنظمة من الجهات الرسمية، أو من طرف المجتمع المدني أو غيرها من الجهات. إلا أن ذلك لم يعط النتائج المرجوة، وبقي القضاء في المغرب يتسم بالعيوب الكثيرة التي أثيرت سابقا. وقد التأمت مؤخرا 10 جمعيات وبلورت مذكرة أعلنت عنها في شهر أبريل ونظمت حولها عدة لقاءات مع مختلف الفاعلين. إن أهمية التشخيص لوضعية القضاء الذي قامت به الجمعيات المشاركة في بلورة هذه المذكرة، هو إدراج العراقيل الدستورية لاستقلالية القضاء، وهو ما سيضع التحرك من أجل الاستجابة للتوصيات والمطالب المتضمنة في هذه المذكرة يرتبط بجزء من التحرك المطلوب لإقرار دستور ديمقراطي.وفي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نعتبر أن أي إصلاح فعلي للقضاء لا يمكن أن يتم إلا برفع مكانته في الدستور إلى درجة سلطة مستقلة حتى لا يظل مجرد جهاز تحت وصاية السلطة التنفيذية. إضافة إلى أن هذا الإصلاح يتطلب بالضرورة وضع دستور ديمقراطي في كل مضامينه، وفي طريقة بلورته، وأشكال التصديق عليه، بما يقر فصلا حقيقيا للسلط بما فيها الفصل بين الدين والدولة وأيضا الإقرار بسمو القانون الدولي على القانون المحلي.طبعا ينضاف إلى ذلك جودة التكوين وشروط التأهيل لممارسة مهنة القضاء إضافة إلى ظروف العمل لكل المهن المرتبطة بالقضاء وأيضا حق القضاة في التنظيم النقابي ليحموا انفسهم من التعسفات والدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية.في ظل الواقع الحالي للقضاء، كيف يمكن أن نضمن تحقيق المحاكمة العادلة؟ وما الشروط والمستلزمات التي ترونها أساسية لضمانها؟في ظل الواقع الحالي للقضاء لا يمكن الحديث عن المحاكمة العادلة لأن أول وأهم ضمانة للمحاكمة العادلة هو استقلال القضاء الذي يفتقده القضاء في المغرب، إضافة إلى عدد من الشروط التي تغيب أيضا منها ما يتعلق بالقضاة مثل ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من "حق أعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع". أي أن " تكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها،ثم هناك ما يهم حقوق المواطنين و من أهمها مساواة المواطنين أمام القضاء، الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب و عدم الاستشهاد بالاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، الحماية من الاعتقال التعسفي، الحق في إبلاغ أسرة المتهم بخبر الاعتقال، احترام مبدأ قرينة البراءة، الحق في علانية المحاكمة، الحق في أوضاع احتجاز إنسانية، الحق في استدعاء شهود النفي، الحق في الترجمة عند عدم التواصل باللغة الرسمية للبلد، وغيرها . ويعلم الجميع أن العديد من هذه الضمانات غير محترمة في المغرب ليس في المحاكمات ذات طابع سياسي فقط، ولكن ايضا في المحاكمات بخصوص قضايا الحق العام هي الكثيرة عددا، إضافة إلى محاكمات الرأي ومحاكمات الصحافة والنشطاء الحقوقيين وأغلب محاكمات التي تندرج في ملف مكافحة الإرهاب ومحاكمة النقابيين وكل المحاكمات في ما يسمى بالمس بالمقدسات... ومن البديهي أيضا أنه لا يمكن أن نتحدث عن احترام الحق في المحاكمة العادلة في ظل قضاء ينخره الفساد .وقد أكدت إحدى دراسات جمعية مناهضة الرشوة بالمغرب أن القضاء هو الجهاز الذي تنتشر فيه الرشوة بشكل أكبر. إن الجواب عن هذا الوضع هو احترام شروط وضمانات المحاكمة العادلة وهو كما يستوجب قيام قضاء مستقل والذي ينص عليه دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا وتصديقا وقضاء نزيها وكفئا لا يمكن تشييده إلا في إطار دولة الحق والقانون التي يعتبر القضاء المستقل شرطا من شروطها وأيضا إحدى الضمانات لاستمرارها.

لا أشك أنكم تدركون أهمية الديمقراطية في إقرار التنمية المستدامة في أي بلد، كيف تتمثلون العلاقة الجدلية ما بين الديمقراطية والتنمية؟
تعتبر التنمية في المرجعية الدولية لحقوق الإنسان "عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها"، كما أن "إعمال الحق في التنمية يستوجب احترام حق الشعوب في تقرير المصير الذي بموجبه يكون لها الحق في تقرير وضعها السياسي بحرية وفى السعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بحرية"، وبذلك ينص الإعلان العالمي للحق في التنمية على ضرورة أن تتخذ الدول خطوات لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التنمية والناشئة عن عدم مراعاة الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.لهذا، فالعلاقة بين الديمقراطية والتنمية يتضح من خلال أن التنمية لا تعني فقط الجانب المتعلق بالحقوق الاقتصادية ولكن أيضا باحترام الحقوق السياسية وكافة الحقوق . والنظام السياسي الذي لا يحترم التوزيع العادل لفوائد التنمية كما جاء في الإعلان المذكور يعرقل الحق في التنمية للشعب، كما لا تكون التنمية دون احترام الحق في المشاركة التي تتطلب احترام الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين والمواطنات.انطلاقا من هذا، نعتبر في الجمعية أن الدستور المغربي الحالي الذي يعرقل قيام الديمقراطية هو معيق أيضا للتنمية كما نعتبر أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان السياسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية ونطالب باستمرار بجعل حد للمتورطين في الصنفين والذي في كل الأحوال غالبا ما يكونون نفس المنتهكين

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire